-->

الشفاء بين الحاوي للرازي والطب النبوي لابن القيم



من المعلوم أن المصنفات والكتب التي دونت في المجال الطبي لا تكاد تحصيها الأذهان لكثرتها، بلغاتها المختلفة، وأساليبها المتنوعة، ومجالات الطب المتعددة، فمنا ما يختص بالطب العلاجي البشري، أو الصحة النفسية، أو العلاج الطبيعي أو الشعبي، وغير ذلك من مجالات الطب المختلفة، ويتحكم في ذلك عوامل عديدة من أشهرها المدرسة البحثية التي ينتمي إليها المصنف أو الكاتب، بالإضافة إلى براعة أهل البيئة بنوع معين من الطب ما يجعل المصنف يتأثر ببراعة أصحاب هذه البيئة ويسخر قلمه في خدمة هذا النوع من الطب، وكان للمسلمين منذ القدم دوراً هاماً في الطب، استفادت منه الحضارات الأخرى، وترجمت هذه المصنفات لعلماء المسلمين إلى لغات أخرى متعددة، ومن بين المصنفات الشهيرة التي ملأت الآفاق وجابت أرجاء الدنيا الحاوي للرازي والطب النبوي لابن القيم رحمهما الله، وهذا موضوع لطبيعة المصنفين.

ومضات من حياة العالمين الرازي وابن القيم

يعد العالم أبو بكر محمد بن زكريا الرازي " طبيب العرب " هكذا سماه المؤرخون، لذكائه وقوة إدراكه، وحسن براعته في العلوم المختلفة ومن أشهرها الطب، نشأ في بلاد فارس وترعرع فيها، وعرف عنه البراعة في الأدب والشعر والفلسفة والمنطق،  وازدادت شهرته مع تصنيفه الكتاب الكبير الحاوي الذي طبع في 8 مجلدات، كما أن له مصنف شهير آخر عرف "بالطب المنصوري"، وترجما إلى  اللاتينية ما جعل عقليته تتجاوز الحضارة الفارسية والعربية إلى غيرها من الحضارات.[1]

أما العالم العامل بان القيم الجوزية فشمس العلماء ودرة المصنفين، وهو شمس الدين محمد بن أبي بكر الجوزية، ولد في الشام وتعلم فيها وأبدع في العلم الشرعي، وقدم الكثير من المصنفات في مجالات مختلفة ومن أشهر هذه المصنفات "زاد المعاد" و "الداء والدواء" و "مدارج السالكين" و"الطب النبوي" وهو من التصانيف الرائعة التي ظهر من خلالها قوة الكاتب وبراعته وإبداعه في استحضار الأدلة وربطها بالداء الذي يمكن أن تعالجه هذه الأدوية، فكان من الكتب التي جمعت في هذا العلم ويلجأ لها الكثير من المشتغلين بهذا العلم.[2]

مقارنة بين الحاوي للرازي والطب النبوي لابن القيم

لربما اختيارنا لهذين الكتابين قد نبع من الأبداع الذي تضمنتهم صفحات الكتابين من المهارة في التوصيف للأمراض والأسقام وعلاج ذلك إلا أن هناك فرقاً بين الكتابين يمكن أن نجمل بعضاً منه:
  • يمكن إجمال كتاب الطب النبوي لابن القيم الجوزية في ما يزيد عن 300 صفحة، بينما يبلغ كتاب الحاوي للرازي 8 مجلدات بصفحات بغلت الآلاف، ما يعني أن الحجم متفاوت بينهما بشكل واضح.
  • اعتمد ابن القيم رحمه في تصنيفه لكتابه الطب النبوي على الفصول فكان يجمع الأدلة من قول الرسول صلى الله عليه وسلم في علاج داء معين أو ما يستنبط من ذلك،  بينما صنف الرازي كتابه الحاوي على الأبواب وكان يذكر الأسقام ويستطرد في ذكر أقوال العلماء والمشتغلين في الطب بعلاج ذلك، ولا يدخل لقول الله تعالى أو رسوله في وصف الدواء للأمراض التي يوردها.
  • يعنون ابن القيم فصوله بكلمة " فصل في هديه_ أي الرسول صلى الله عليه وسلم_ في علاج كذا" بينما نجد أن الرازي في كتابه الحاوي يعتمد على ذكر مجموعة من الأمراض في باب واحد وعلاجها، ويفصل بشكل واسع عن الأسبقين الذين كانوا يصفون الوصفات المختلفة لعلاج هذا المرض،  بل يذكر بعض المواقف والقصص القديمة  لتأكيد قوله، وينقد ذلك العلاج بقوته أو ضعفه.

 قبسات من كتابي الحاوي للرازي والطب النبوي لابن القيم

يمكن أن تلفت العديد من الاقتباسات في المصنفين الانتباه إلى طريقة تفكير الكاتب، وقوته أو أسلوبه في الدخول إلى مواضيع الكتاب، لكن يمكن أن نذكر بعض هذه الاقتباسات  الهامة خاصة ما تلخص فكرة الكتاب، ومن هذه الاقتباسات:
  • قال صاحب الحاوي " يجب أن تعلم أن شرب الماء الحار  يكبر الجوف لأنه لا يسكن العطش وخاصة أن أكثر التعب لأنه يسخنه ويدعوه إلى ذلك ويكبر جوفه ويفسد مزاجه فإذا بلي الإنسان شرب"[3]
  • قال صاحب كتاب الطب النبوي " وذلك أن قواعد طب الأبدان ثلاثة: حفظ الصحة، والحمية عن المؤذي، واستفراغ المواد الفاسدة، فذكر سبحانه هذه الأصول الثلاثة".[4]


وينبغي الإشارة إلى أن ما ضمناه في موضوعنا هذا من حديث عن كتابين من كتب الطب، لا يستغنى بهما عن الطب البشري وما وصل إليه العالم في هذا الزمان، وإنما هو دلالة على أن الأقدمين كتبوا في الطب وبحثوا عن علاج الأسقام فلا ينسى قدرهم، ويستفاد من علمهم الذي حفظوه في الكتب ليصل إلينا دون عناء.




[1] موقع العلوم الطبية باللغة العربية، الحاوي في الطب للرازي.
[2] ويكبيديا، ابن القيم الجوزية.
[3] الحاوي، لأبي بكر الرازي، ص1191.
[4] الطب النبوي، لابن القيم الجوزية، ص3.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق