-->

التمارين الفاعلة لتحقيق لياقة الكاتب




كثيرة هي الأقلام السيالة التي تسلب لب القراء، وتأسرهم إلى عوالم بعيدة لا يطيقون الانفكاك عنها، أو التحرر من أسرها، ومن بين هذه العوالم المشهودة، ما يحررهم من ذواتهم إلى تلك الآفاق البعيدة، حتى يشعر المتصفح لكتابات هذه الأقلام، أن سيل كتاباتهم مطراً فياضاَ يقطر من جبينهم، أو يخيل إليه أن الحروف سبائك من ذهب تشد القارئ إلى لمعان معدنها وجميل رونقها، ولا يمكن لهذا الكاتب الذي أسر لب الخلائق أن يطرأ على حياة الكتابة فجأة دون أن يكون له من التدرج إلى الوصول لهذا المستوى تاريخ مشهود، وتسلسل معروف، ومحطات هامة أوصلته إلى هذا المستوى،  التمارين الفاعلة لتحقيق لياقة الكاتب، ليصبح قامة بين الناس.

ماذا نعني بلياقة الكاتب

قد يختلف الكتاب والباحثين  في تعريف لياقة الكاتب أو وضع حد ووسم لهذا التعريف الدقيق، لكن الذي لا بد من التأكيد عليه أن المفاهيم الإنسانية وإن تعددت ألفاظها واختلفت في بعض ضوابطها إلا أنها تتقاطع في الجزء الأصيل منها، فماذا نعني بلياقة الكاتب؟!
يمكن تعريف لياقة الكاتب بأنها التمارين التي يبذلها الكاتب باستمرار للوصول إلى أقصى درجات الحرفية في الكتابة، والقدرة على التعبير عن الأفكار والمواضيع بأوضح العبارات، وتجاوز العقبات وشائك المسائل، وذلك من خلال العديد من الأساليب والأدوات التي يستخدمها الكاتب لتحقيق هذا الهدف والوصول إليه.

ومضات من أهمية لياقة الكاتب

لا بد أن يعلم الكاتب أن قوته في جديده، وقدرته على جعل القراء في الصف الذي يكتب عنه، والتوصيف الذي يريد إيصاله، ومن هذه الأهمية ما يأتي:
  • تكمن أهمية لياقة الكاتب في الحاجة الماسة له في انسيابية أفكاره، وكتاباته حروفه، وحاجته للتجديد في الأسلوب، والتشبيهات والأمثال، وغيرها من المحسنات للكلمات والعبارات المختلفة.
  • كذلك يمكن اعتبار كسر الجمود الذي يعاني منه كثيراً من الكتاب، والتقليدية الممجوجة من الأهمية التي لا بد للكاتب أن يحرص على تحقيقها وذلك عبر اللياقة التي يحتاج إليها.
  • ومن أهمية اللياقة للكاتب الحاجة الماسة لاستجلاب الجماهير والقراء، الذين يعتبروا ذخيرته وظهره الذي سيحتاج إليه يوماً عند تبنيه بعض المواقف التي يخالفه فيها غيره، فهناك قضايا تخص أحوال الناس، وتعالج همومهم، وتفتح الباب ليتم تسليط الضوء على الأخطاء والتجاوزات.[1]

تمارين تحقيق لياقة الكاتب


عند الحديث عن لياقة الكاتب والتمارين التي يمكن أن توصل الكاتب إلى مستوى عالٍ من اللياقة، فإن هناك بعض التمارين التي يمكن للكاتب أن يتبعها، أو يداوم عليها ويحقق بذلك نتائج واضحة، ومن أهم هذه التمارين:[2]
  • إعادة النظر في المواضيع المكتوبة من الكاتب أكثر من مرة، وخاصة القديمة وقياسها بالكتابات الجديدة والتطور في طريقة الطرح والأسلوب والالفاظ، والتشبيهات والأمثال، ونوعية المواضيع التي يركز عليها الكاتب.
  • القراءة للكتاب الكبار الذين يشعر الكاتب بأنهم يتميزون بأسلوب قوي ومكانة سامية بين عالم التدوين، والاستفادة من كتاباتهم ونقاط القوة لديهم، فذلك يكسب الكاتب ذخيرة لا يمكن أن يجدها في غير هذا السبيل.
  • على الكاتب أن يقدر نفسه ويعلي شأنها، ويتعامل معها على أنها من أنقى الذوات، ويتعامل معها تعامل خاص ومميز، فيترأف بها عن الإحباط والفتور، ويشعل لهيب عبقريتها عند الهمة والنجاح، ويديرها بنفس واعٍ، ويشجعها على الاستمرار في تقديم المزيد من العطاء في جانب الكتابة.
  • ومن التمارين الهامة للياقة الكاتب وتقويتها الانتباه إلى ذاته فهو الأعرف بها ونقاط قوتها ونقاط ضعفها، فيغذي نقاط القوة، ويحاول قدر المستطاع تلافي نقاط الضعف، ما يجعل شخصيته أقوى في تناول الأمور، بالإضافة للانتباه إلى البيئة المحيطة به فيقترب ممن يعززه ويقويه، ويشد عضده، ويبتعد عن الذي يثبطه ويقعده، ويحاول إضعافه، وكسر قلمه، ودثر همته.
  • ومن تمارين القوة للياقة الكاتب أن يختار الوقت بعناية ليكتب بما يريد، فذلك أدعى لتنظيم ذاته وتقوية الأداء الخاص به، كما أن اختيار الساعات التي ينشط فيها الذهن كالفترة الصباحية من العوامل الأساسية في استيقاظ الأفكار، وحياة الحروف والكلمات، وجدية الأفكار والعبارات.
  • ونعرج على نقطة هامة من النقاط المفيدة للياقة الكاتب وهي تخصيص الكاتب لبعض الأوقات الإستقطاعية من حياته للتأمل فيخلو بنفسه عن ضجيج زحام التصنيف والكتابة إلى فضاء التفكر والنظر في حالة النفس التي تحتاج إلى شيء من الراحة، والدعة، لتعطي الكاتب دفعة مستقبلية.


وتظل التمارين المصروفة إلى تقوية لياقة الكاتب ومهارته، من التمارين الهامة التي ستحقق للكاتب لياقة عالية، ويشعر بعد القيام ببعضها أن قدرته على العطاء في مجال التدوين وملامسة الأقلام قد أصبحت أقوى وأقدر، على توصيف المسائل، وتبيان المجملات.



[1] عائشة سلطان، موقع البيان، لياقة الكاتب.
[2] أحمد العساف، لياقة الكاتب سرُّ الخلود!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق